يقدّم الكاتبان رجب صويلو وليفنت كمال سردًا لتطور أحمد الشرع، المعروف سابقًا بأبي محمد الجولاني، من قائد جهادي إلى رئيس للجمهورية العربية السورية، موضحين كيف أعادت براغماتيته، إلى جانب انفتاحه على تركيا، تشكيل طريقه إلى السلطة.

 

تصف الرواية الأساسية في ميدل إيست آي علاقة الشرع بأنقرة باعتبارها جسرًا سياسيًا واقعيًا، تأسس في سنوات سيطرته على إدلب، حيث قاد المنطقة ككيان شبه مستقل أعاد صياغة صورته الداخلية والخارجية.

 

البدايات الأولى للتقارب

 

يبدأ التحول حين اندفعت قوات الحكومة السورية نحو إدلب سنة 2019 بدعم من الطيران الروسي، ما وضع الشرع وقواته في مأزق شديد. احتاج الرجل إلى حماية خطوطه الخلفية، ووجد في تركيا القوة الوحيدة القادرة على تأمين البقاء.

 

بعد سيطرة مجموعته —التي عُرفت وقتها بجبهة فتح الشام— على معبر باب الهوى عام 2017، أغلقته أنقرة، فأسّس الشرع إدارة مدنية لإدارته، في خطوة فصلت خطابيًا بين الجماعة والنشاط العسكري. برغم دعم تركيا لفصائل منافسة، حافظ الشرع على نفوذه، ودفع أنقرة إلى تعديل موقفها منه تدريجيًا. أعيد تشكيل الطاقم الأمني التركي المعني بالملف السوري، وبدأت قنوات اتصال جديدة بالظهور.

 

تؤكد مصادر تركية أنّ أنقرة رأت ضرورة التعامل مع قوة مسيطرة بحكم الأمر الواقع، خصوصًا مع دخول مسار أستانا وتعقّد انتشار نقاط المراقبة. تحت هذا الضغط وُلدت هيئة تحرير الشام؛ تشكيلٌ جمع فصائل متباعدة ونسج هوية سورية أكثر وضوحًا، تزامنًا مع تأسيس «حكومة الإنقاذ» المدنية في إدلب، التي رعتها تركيا بوصفها واجهة أقل كلفة سياسيًا.

 

استراتيجية متبادلة للتغيير

 

يشرح خبراء مثل دارين خليفة وجيروم دريفون أنّ التحول داخل الهيئة ترافق مع تحول في طريقة تعامل أنقرة معها. خفّض الشرع لهجته تجاه الوجود التركي، وبدأ يقدّم رسائل انفتاح. فهم أنّ الجيش التركي والبيروقراطية التركية لا تنظران لهيئته بعين الرضا، بينما اختارت الاستخبارات العمل معه بواقعية، في محاولة لتخفيف الاحتقان ومنع موجات نزوح جديدة يمكن أن تربك الداخل التركي.

 

حين شنّت قوات الحكومة السورية هجومًا واسعًا بداية 2020 بدعم مليشيات إيرانية والطيران الروسي، تدخلت تركيا بشكل مباشر، وضربت مئات الأهداف، ودفعت بقوات كبيرة إلى إدلب، ما خلق خطوط تواصل عملية مع الهيئة. فرضت تركيا التزامات محددة، شملت سحب السلاح الثقيل وتسيير دوريات مشتركة، فخضعت الهيئة ولو بتحفّظ، ما دفع الشرع إلى إبعاد المتشددين الذين رفضوا هذه التنازلات.

 

يصف دريفون هذه المرحلة بأنها «التحول الجوهري» الذي فصل البراجماتيين عن العقائديين. بدأت الهيئة بملاحقة تنظيم «حراس الدين» الموالي للقاعدة، ما قدّم لتركيا وللغرب إشارة على انفصال الشرع عن الجذور الجهادية العنيفة. لاحقًا، صار مساعده المقرّب شعيباني يعبر الأراضي التركية ويلتقي مسؤولين أجانب بغطاء غير معلن من أنقرة.

 

حرصت تركيا أيضًا على ضبط الخطاب العام للهيئة، وتشجيع مواقف أكثر انفتاحًا تجاه الأقليات. وفي سياق أوسع، سعى الشرع إلى إرسال رسائل عبر أنقرة إلى الغرب حول طموحه في بناء إدارة مستقرة داخل إدلب.

 

الانفتاح على الغرب وصعود المشروع السياسي

 

بحلول 2020 قدّم الشرع نفسه كقائد منضبط تابع لحكومة الإنقاذ، لا كرجل عسكري. وبدأت قنوات غير مباشرة تُفتح مع مسؤولين غربيين، شملت لقاءات حول المساعدات الإنسانية. سمح هذا المناخ بزيارة باحثين وخبراء، ومهّد لاحقًا لظهوره الإعلامي البارز في مقابلة مع PBS Frontline عام 2021، بملابس مدنية لأول مرة، في إشارة واضحة إلى مسار التحول.

 

واصلت الهيئة بناء مؤسسات تعبّر عن «دولة صغيرة»، عبر شرطة محلية، وجباية ضرائب، ودعم قطاعات اقتصادية. ساعد هذا على جذب أموال إلى داخل إدلب، بالتزامن مع تفكك مناطق سيطرة النظام اقتصاديًا.

 

ومع انشغال روسيا بحرب أوكرانيا عام 2022 تراجعت القبضة الروسية على سوريا، فزاد ذلك من هامش حركة الشرع. تطورت الأكاديمية العسكرية في إدلب بدعم تركي، وصارت منصة لتطوير قوة قتالية منظمة، بينما أعادت الهيئة تشكيل هياكلها الداخلية بأبعاد أكثر سورية وأقل جهادية.

 

يوصف الشرع اليوم كشخص يخلط بين إسلام سياسي مرن وبراغماتية صلبة، بلا أيديولوجيا واضحة، وإنما قدرة على التحرك وفق المصلحة. هذا المزيج، مع الدعم غير المباشر من تركيا، أعاد صياغته ليصبح رئيسًا انتقاليًا يمثل نسخة مغايرة جذريًا عن القائد الجهادي الذي عرفه العالم أكثر من عقد مضى.

 

https://www.middleeasteye.net/big-story/syria-how-turkey-helped-engineer-ahmed-al-sharaa-rise-power